المشهد الفلسطيني المتقلب

تابعنا على:   10:24 2023-06-09

حميد قرمان

أمد/ في الأيام القليلة الماضية تم استدعاء قيادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي من قبل السلطات المصرية لبحث عدد من عناوين سياسية واقتصادية تصب لتطوير الوضع الاقتصادي للقطاع مقابل ضمانات سياسية لهدنة مستمرة المدى تعزز علاقة مستقرة مع إسرائيل.

المصادر الإعلامية التي سُرب لها بعض مضامين هذه العناوين، والتي بالمناسبة جُلّها قريبة من حركة حماس، تحدثت عن ميناء بإشراف أمني مصري ضمن عملية إنماء شاملة لعمليات التبادل التجاري من قطاع غزة وإليه، مع ترقية لشبكة الطرق تتيح توسيع التحركات والنقل بين القطاع ومصر، مع إنشاء مناطق تجارة حرة على الحدود مع غزة، وتوريد الكهرباء من خلال إنشاء محطة مصرية تزود القطاع الذي يعاني من نقص حاد بالكهرباء، كما تحدثت المصادر عن إحياء لفكرة المطار.

 

حركة حماس سرّبت مطالبها لوسائل الإعلام قبل الذهاب إلى مصر.. إدراكا منها أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن الموقف المصري استدار نحو القطاع.. خاصة بعد موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي رفض عقد أيّ لقاء مع قيادة حركة حماس في السعودية قبيل القمة العربية في جدة، فاستحالة المصالحة الفلسطينية في الوقت الراهن جعلت الإدارة المصرية تتبنى خيار تقوية الوضع الاقتصادي والسياسي في القطاع بما يخدم استمرار الهدوء على جبهة غزة من جهة، ومن جهة أخرى لقطع الطريق على أيّ أجندات إيرانية تدفع للمزيد من التصعيد العسكري، بما لا يخدم مصالح أمنها القومي، الذي لن يتحقق إن عززت إيران موطئ قدم لها في القطاع معتمدة على حركات وفصائل فلسطينية غير حركة حماس.

 

المعضلة الحقيقية تكمن في تضارب المصالح بين عدة أطراف دولية وإقليمية لاهثة وراء مصالحها، فالبعض يبحث عن هدوء جبهة غزة لبحث مشروع حقل (مارين – غزة) الذي سيحوّل مصر إلى مركز إقليمي للغاز يمد أوروبا الساعية للتخلص من عقدة الغاز الروسي، وهو ما يتطلب تقديم تحسينات اقتصادية للقطاع ولحكم حماس والفصائل المسلحة الأخرى تحت شعار “رغد العيش يوقف شبح الحرب”.

 

الموقف الأميركي يدعم هذا الخيار استنادا لما سبقه من اتفاق لبناني – إسرائيلي حول حقول الغاز (قانا وكاريش) قبالة البحر الأبيض المتوسط، فالإدارة الأميركية الحالية تبحث عن أيّ إنجاز سياسي تدخل به سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة لدعم حظوظها بالفوز بولاية “ديمقراطية” ثانية، بالإضافة إلى دعم أيّ مشاريع إمدادات غاز في منطقة الشرق الأوسط لوقف الطلب الأوروبي على الغاز الروسي.

 

إيران لن تقف متفرجة، وستدفع لوضع العصي بالدواليب المصرية، إدراكا منها أن أيّ اتفاق سيعقد مع حركة حماس سيخرجها من تأثيرها ونفوذها، لذلك ستضغط على قيادة حماس لرفض كل ما يعرض عليها أو ستدفع بحركة الجهاد الإسلامي لتكون بديلا عن حماس إذا ما تم الاتفاق، وستعمل على إثارة جولات تصعيد لتوصل رسالة مفادها أن غزة تحت حكم النظام الملالي، مما ينذر باقتتال فلسطيني – فلسطيني من نوع آخر داخل قطاع غزة، بين ما تريده حماس وما تسعى إليه إيران عبر الجهاد الإسلامي.

 

حماس بكل ما سبق، تريد نسج موقفها التفاوضي ببراغماتية بما يخدم مصالحها، لتكون بديلا متكامل الجوانب الاقتصادية والأمنية عن السلطة الفلسطينية، لذلك ستحاول إدارة المفاوضات مع الجانب المصري لكسب ود الأميركان والأوروبيين بما يحقق لها مكانة سياسية إقليمية.

 

في الطرف المقابل، سيعزز رئيس حكومة اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو ما تسعى إليه مصر في غزة، ليضرب بذلك عدة عصافير بحجر واحد، فمن الهدوء الذي سيجنيه على جبهة غزة، وصولا إلى تقوية حكم حماس الذي يستغله للهروب من استحقاقات حل الدولتين، وبذلك يخدم شعبيته في الشارع الإسرائيلي وبقاءه على سدة الحكم في إسرائيل.

 

وبذلك يتضح المشهد الفلسطيني المتقلب سياسيا.. بين سلطة فلسطينية تم ويتم تهميشها لصالح عقد تفاهمات مع حركات وفصائل تطالب بأقل من سقف “حل الدولتين” الذي ما زال الجميع ينادي به. لكن في الحقيقة يدقون مسامير نعشه يوما بعد الآخر بإجراءات تعزز مأسسة الانقسام الفلسطيني في سبيل ضمان هدوء الشرق الأوسط الجديد

كلمات دلالية

اخر الأخبار