ديوان غراب نوح .. قصيدة الوجود المفتوحة على الرماد والنور

تابعنا على:   16:46 2025-10-21

د عبد الرحيم محمود جاموس

أمد/ أتي ديوان "غراب نوح" للشاعر الأمريكي الكبير ويليام ميروين، بترجمة الشاعر والمترجم العراقي صادق زورة، ليضيف إلى المكتبة العربية عملًا شعريًا فريدًا في لغته وتأملاته، يجمع بين صفاء الرؤية وعمق المعنى، وبين الشعر كفن جمالي وبين الحياة كمعاناة كونية لا تنفصل عن مصير الإنسان والطبيعة.
الكتاب صادر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع – عمّان، الأردن (جبل الحسين، بناية 20)، في الطبعة الأولى لعام 2021، ويقع ضمن سلسلة الإصدارات الشعرية التي تعنى بترجمة الأصوات العالمية المعاصرة إلى العربية، بروح تحافظ على النغمة الأصلية وتفتح النص على أفق المتلقي العربي.
في هذا العمل، يستعيد ميروين رمزية الغراب بوصفها مرآة للعالم، لا مجرد طائر يطل من أسطورة الطوفان. فالغراب الذي أرسله نوح لم يكن مجرد كائن يبحث عن يابسة، بل رمزًا لإنسانٍ أبديٍّ يبحث عن خلاصٍ في عالمٍ مثقلٍ بالطين والماء والذاكرة. ومن هنا، يصبح عنوان الديوان "غراب نوح" استعارة كبرى عن المنفى الوجودي للإنسان، وعن عجزه الأبدي أمام الموت والتجدد والفقد.
يمتاز شعر ميروين بلغته المتأملة الصافية، المقتصدة في كلماتها، والعميقة في إيحاءاتها. فهو شاعر الصمت أكثر من الضجيج، وشاعر الأسئلة أكثر من الأجوبة. يرى في العالم حديقة تذبل ببطء، وفي الإنسان مخلوقًا يواصل الكتابة كأنه يحفر على الماء، لكنه لا يتوقف عن الحفر لأن المعنى يكمن في الفعل ذاته.
أما الترجمة التي أنجزها صادق زورة، فجاءت مخلصة لروح النص، تميل إلى الترجمة الإبداعية لا الحرفية، فحافظت على الإيقاع الداخلي للنص الأصلي، ونجحت في نقل موسيقى ميروين الهادئة إلى العربية دون أن تفقدها رهافتها أو توهجها.
إن “غراب نوح” ليس ديوانًا يُقرأ مرة واحدة، بل نصّ مفتوح يتجدّد في كل قراءة، كأن القارئ نفسه يصبح أحد شهوده. إنه كتاب عن الزمن والذاكرة، عن الخراب والنهضة، عن الفقد المستمر والبعث الأبدي.
بهذا الديوان، يُقدّم ويليام ميروين نموذجًا للشعر الذي يتأمل لا يصرخ، ويضيء لا يدين، فيتجاوز حدود اللغة إلى فضاء الإنسانية الواسع، حيث تصبح القصيدة صلاةً للعالم وعتابًا للحياة في آنٍ واحد.

اخر الأخبار