زيتون على حافة النار رواية توثيقية تحليلية عن الصمود الفلسطيني

تابعنا على:   17:03 2025-10-23

علي ابوحبله

أمد/ المقدمة: جذور في وجه العاصفة
ليست الحكاية عن شجرة زيتون فحسب، بل عن وطنٍ تُقتلع جذوره كل صباح ليبقى واقفًا.
منذ عقود، والأرض الفلسطينية تحيا بين المواسم الثلاثة: موسم القهر، وموسم الحصاد، وموسم الصمود.
هنا، في قريةٍ معلّقة بين نابلس وسلفيت، تحوّلت الحقول إلى خطوط تماسٍ بين الفلاح الفلسطيني والمستوطن المسلّح.
وفي كل موسم قطاف، تتجدد المواجهة بين الحياة والموت، بين من يزرع ومن يسرق، بين يدٍ تحمل الزيتون ويدٍ تحمل السلاح.
الرواية ليست سردًا أدبيًا فحسب، بل شهادة على زمنٍ يحاول فيه الاحتلال أن يكتب التاريخ من طرفٍ واحد، بينما الفلسطينيون يكتبونه بالدم والزيت والعرق والكلمة.
الفصل الأول: في موسم القطاف
في صباحٍ خريفي، كان "أبو خالد" يسير بين أشجاره التي ورثها عن أبيه وجدّه.
الندى يبلل التراب، والريح تحمل رائحة الزيتون الناضج.
تسمع زقزقة العصافير، ثم فجأة تنقطع الأصوات حين تلوح عربات المستوطنين القادمة من مستوطنة “عيلي” المجاورة.
قال أبو خالد بصوتٍ متهدّج:
"حتى الشجر صار يخاف، بس والله ما بنترك الأرض، ولا بنخليهم يفرحوا بسرقة حبّة زيتون وحدة."
اقترب المستوطنون، بعضهم يحمل السلاح وبعضهم يضحك ساخرًا.
صرخت ليان، ابنته، من بعيد وهي توثّق بالموبايل:
"هاي أرضنا! لا تلمسوها!"
لكن الجرافة تقدمت.
دقائق معدودة كانت كافية لتحطيم أغصان عمرها عقود.
الجنود وقفوا يراقبون بصمت، بل بابتسامةٍ باردة.
تسللت رائحة الزيتون المطحون مع رائحة الغضب.
وفي ذلك اليوم، أدركت ليان أن الكاميرا يمكن أن تكون سلاحًا.
الفصل الثاني: جدار من صمت
الأخبار العالمية تتحدث عن “توترات محدودة في الضفة”، بينما كانت القرية تعيش حربًا يومية.
الاحتلال يصادر الأراضي بحجج “أمنية”، والمستوطنون ينهبون المحاصيل بحماية الجيش.
تقدّم أبو خالد بشكوى إلى "الإدارة المدنية"، فاستقبلوه بملفّ مفتوح منذ خمس سنوات لم يتحرّك فيه حرف واحد.
قال له الموظف الإسرائيلي بالعربية الركيكة:
“ما في مشكلة، انت قدّم أوراق جديدة.”
ابتسم أبو خالد بمرارة:
“أنتم ما بدكم أوراق، بدكم أرضنا!”
في المساء، جلس مع ليان وسليم، الناشط الحقوقي الذي يوثّق الانتهاكات، وقالوا:
“رح نوثّق كل شي، بالصورة والصوت والكلمة، حتى لو سكت العالم.”
لكن العالم صامت... والعرب منشغلون... والمنظمات تتحدث عن “الجانبين”!
الفصل الثالث: ليان في الجامعة
ليان كانت تدرس الإعلام في جامعة بيرزيت، وحلمها أن تصبح صحفية تروي الحقيقة كما هي.
لكن الحواجز كانت جزءًا من يومها: تفتيش، إذلال، أسئلة، انتظار.
في إحدى المرات، أوقفها ضابط على الحاجز وسألها بتهكم:
“ليش بتحبي تصوروا كل شي؟ شو رح يتغير؟”
فأجابت بثقة:
“الكلمة بتغيّر أكتر من رصاصتك.
في قاعة المحاضرات، تحدث أستاذها عن “الإعلام المقاوم”، وقال:
“الكاميرا الفلسطينية اليوم صارت بندقية الوعي.”
وهكذا وجدت ليان في الإعلام ساحة جديدة للنضال، تُقاوم فيها السردية الإسرائيلية بالتوثيق والصدق والجرأة.
الفصل الرابع: الكاميرا لا تنام
كان سليم يتجوّل بين القرى، يوثق اعتداءات المستوطنين وسرقة الزيتون والمواشي، وينشرها عبر مواقع التواصل.
في أحد الأيام، تعقبه الجنود، صادروا كاميرته، واعتقلوه لأيام طويلة.
لكنه خرج أقوى، وقال أمام الصحفيين:
“سلاحهم الرصاص… وسلاحنا الحقيقة. واللي بيملك الحقيقة ما بخاف.”
تحولت فيديوهاته إلى مادة في تقارير أممية، وبدأت وكالات دولية تنقلها رغم الضغوط.
العالم بدأ يسمع، وإن بصوتٍ خافت.
الفصل الخامس: زيت ودم
في إحدى ليالي تشرين، هاجم المستوطنون القرية، أحرقوا الحقول واقتلعوا أشجار الزيتون.
حاول أبو خالد الدفاع عن أرضه، فأطلق أحد المستوطنين النار عليه.
سقط على الأرض، ويده ممدودة نحو الجذع المحترق.
صرخت ليان وهي تركض نحوه:
“بابا! لا تتركنا!”
ابتسم أبو خالد رغم الدماء وقال:
“ازرعوا... حتى لو قطعوا كل شي، ازرعوا من جديد...”
كانت تلك آخر كلماته.
الفصل السادس: أشجار لا تموت
بعد شهور، عاد الربيع إلى القرية.
كانت ليان تقف أمام الأرض التي احترقت، ومعها أطفال القرية يحملون شتلات زيتون جديدة.
قالت لهم وهي تغرس أول شتلة:
“هاي مش شجرة، هاي وطن.”
أما سليم فكان يوثق المشهد ويبثه مباشرة للعالم.
تحت التعليقات، كتب أحد المشاهدين من أوروبا:
“أنتم تعلموننا معنى البقاء.”
وفي نهاية الرواية، تذوب الحدود بين الواقع والأمل، بين الذاكرة والمستقبل.
تُغلق الكاميرا على صورة:
أرضٌ خضراء، وأشجار زيتون صغيرة تنمو من رماد النار.
الخاتمة: الزيت يضيء رغم الحصار
من بين الركام، ومن قلب النار، يخرج الفلسطيني حاملًا زاده من الصبر.
قد يحاصرونه بالجدار، لكنهم لا يستطيعون أن يحاصروا جذوره.
كل زيتونة تُقطع تُنبت أخرى، وكل شهيد يترك خلفه ألف حارسٍ للأرض.
“زيتون على حافة النار” ليست مجرد رواية، بل وثيقة إنسانية وسياسية، تروي للعالم أن الصمود ليس شعارًا، بل طريقة حياة، وأن الأرض الفلسطينية لا تُروى بالماء فقط، بل بالدم والعزيمة والكرامة.

اخر الأخبار