الكوفية الفلسطينية: أنوثة المقاومة وذاكرة الوطن

تابعنا على:   15:21 2025-10-28

وسام زغبر

أمد/ في السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، تحيي فلسطين والعالم اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية — مناسبة تتجاوز الاحتفال الرمزي لتغدو لحظة تأمل في مسارٍ طويل من النضال والصمود. في هذا اليوم، تستعيد فلسطين وجوه النساء اللواتي حملن الوطن في قلوبهن، ونسجن حكاياته على أثوابهن المطرزة، ولففن وجعه بكوفياتٍ سوداء وحمراء تحوّلت إلى راياتٍ تحفظ الذاكرة من النسيان.

المرأة الفلسطينية لم تكن يومًا مجرد شاهد على التاريخ، بل كانت في صُلبه. جمعت بين الأمومة والمقاومة، بين الحنان والصلابة، وقدّمت نموذجًا إنسانيًا فريدًا في مواجهة القهر والاحتلال. تجاوزت الصورة النمطية للنساء في مناطق النزاع، لتصبح رمزًا عالميًا للصمود والكرامة، تُختصر في الكوفية — تلك القطعة البسيطة من القماش التي تحوّلت إلى أيقونة مقاومة تتجاوز الحدود.

ألوان الكوفية الفلسطينية ليست زينةً جمالية فحسب، بل لغةٌ من لغات الهوية؛
اللون الأسود يُجسّد الجذور والثبات،
والأحمر يرمز إلى دم الشهداء والتضحية.
وبين اللونين تمتد قصة شعبٍ يكتب تاريخه بالدم والأمل.

في غزة، خلال حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من سبعمائة يوم، كانت المرأة الفلسطينية في قلب المشهد. واجهت القصف والجوع والنزوح، لكنها بقيت ثابتة، تحمل أطفالها والوطن معًا، وتحوّل الألم إلى فعل مقاومة. لم تكن مجرد ضحية، بل فاعلًا رئيسيًا في معركة البقاء. ومن بين الأنقاض خرجت لتعلن أن الأنوثة ليست ضعفًا، وأن الكرامة لا تُدفن تحت الركام.

من رحم المعاناة، أعادت المرأة الفلسطينية تعريف معنى الصمود. جعلت من البقاء فعلًا سياسيًا، ومن الأمومة مقاومةً صامتة، ومن تفاصيل الحياة اليومية — الخبز، والماء، والحليب — جبهاتٍ جديدة للنضال.

في اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية، لا نحتفي بها كرمزٍ فحسب، بل كقوةٍ حية أعادت صياغة مفهوم النضال الإنساني. فهي ليست “نصف المجتمع” كما يُقال، بل قلبه النابض، الذي يحفظ للذاكرة نكهتها، وللحياة معناها، وللوطن ملامحه.

الكوفية، والثوب المطرّز، واليد التي تكتب على الجدار أو تزرع في التراب — كلها تجليات لأنوثةٍ مقاومة لا تعرف الانكسار.
إنها البداية والنهاية، الصرخة والرجاء، واليقين بأن للحرية وجهًا أنثويًا لا يُهزم.

اخر الأخبار