صَدّام والطوفان.. والصاروخ رقم أربعون

تابعنا على:   15:49 2025-10-28

محمد عزت علي الشريف

أمد/ عندما أمر صدام حسين بسحب قواته المسلحة من الكويت في عام 1991 اعتبر العالَمُ أنّ هذا الانسحاب هو صورة هزيمة. لكن صحف بغداد الرسمية خرجت جميعها في صبيحة اليوم التالي وعلى صدر صفحاتها الأُوَلِ عنوان واحد من كلمة واحدة بالبنط العريض وبعرض الصفحة يقول : " انتصـــــــرنا ".
الحقيقة التي غابت عن الكثيرين أنّ إمارة الكويت بجغرافيتها وكل ثرواتها لم تكن هدفا بحد ذاتها لصدام حسين ورجاله؛ فمعلوم أن العراق بثرواته ومقدراته وحضارته وجغرافيته كان من أغنى دول العالم.
إذن فإن دخول الكويت وكل محاولا ت ضمّها إلى الجسد العراقي كجزء عائد إلى الكل في العام ١٩٩٠ لم يكن في حقيقته فعلاً تحريرياً للأرض وإعادةً للفرع إلى الأصل – كما كان يُرَوِّج الإعلام العراقي ذاته - بل كان محاولة في اتخاذ خطوة غير تقليدية على الطريق نحو تحرير الإنسان نفسه، وإيقاظ وعْيِه، وإعلاء هِمّته لتعبئته نحو هدفٍ مركزيّ أسمى؛ وهو تحرير الأقصى وكل فلسطين من النهر إلى البحر.
لقد أحيا صدام حسين قضية العرب المركزية مجدَّداً في وُجدان و ضمائر الأمة بل والعالم بحِكمته ورَجاحةِ مَنطقه عندما طالبه المجتمع الدولي ومؤسساته ذات الصلة بالانسحاب من الكويت الدولة الجارة ذات السيادة، وتطبيق قرارات مجلس الأمن – فما كان منه إلا أن أظهر مرونةً واستعداداً حقيقياً للقبول، مُشترِطاً أن يتم تطبيق كل قرارات مجلس الأمن منذ نشأته دون انتقاءٍ، وعلى كل دول العالم دون استثناء، بما في ذلك الكيان الصهيوني المحتل وداعمه الأكبر أميركا مالكة حق الفيتو سيّء الصيت في وجه كل قرار يدين ويُجَرِّم الاحتلال ويُجَدّد مُطالبَتَه بإعادة الأرض المسلوبة إلى أهلها المَغدورين.
لقد لَفَتَ صدام حسين نظر العالم لأول مرة بعد فترةٍ وسُباتٍ إلى قضية فلسطين التي كادت الأجيال المتعاقبة التي تَطاوَلَ عليها العُمُرُ أن تنساها.
عندما أدخل صدام حسين قضية فلسطين في معادلة الصراع بين العراق من جهة والكويت وأمريكا والعالم من جهة أخرى - دفع العالم لأن يعيد ترتيب أوراقه وهو يتفاوض على حلّ ذلك الصراع.
كان على العالم أن يعيد دراسة قضية الاحتلال الاسرائيلي للأرض العربية هي الأخرى كجزء من مكونات معادلة حل الصراع في منطقة الشرق الأوسط ، وتداعياتها على العالم ككل.
ألم يسأل العالَمُ نفسه : كيف لقائد يدافع عن قراره بضمّ جارته الكويت أن يذهب لقصف اسرائيل على بُعدِ آلاف الأميال بـ ٣٩ صاروخاً؟!.
عندما تعلم أن صدام حسين في كل ما قام به كان يهدف إلى تحرير الأرض العربية المحتلة وفي المقدمة منها القدس الشريف فإنك ستتفهم شخصية الرجل ولن تحكم على قراراته في وقتها بالنَزَقِ أو الارتجال والتخبُّط، فمثلاً:
لو نجح صدام في ضم الكويت والاحتفاظ بها فإن ذلك ومن وجهة نظره كان سيشكل ضغطاً على أمريكا والدول الصناعية وقد سيطر على أكبر احتياطي نفطي في العالم ـ لإجبارهم على الجلوس معه للتفاوض على كل القضايا العالقة منذ عقود؛ ومن بينها قضية الأرض العربية المحتلة في فلسطين وسوريا و لبنان وغيرها، وإن لم يفلح الرجلُ في مسعاه؛ فحسبه أنه أعطى للقضية المُبتلاة بعِلَل التهميش والتجاهل والإهمالِ قُبلَةَ الحياة.
ثم إن ضرْب العراق للكيان الاسرائيلي بالصواريخ لم يكن سابقة من نوعها، بل كان حلقة من حلقات الصراع المديد المرير بين الكيان المحتل وأصحاب الحق العربي المسلوب، وقد سبقت تلك الحلقة حلقات منها قيام اسرائيل بضرب مشروع المفاعل النووي العراقي في بداية الثمانينيات.
لقد ساهمت محاولات صدام حسين الدؤوبة في سلوك السبل غير المطروقة لتحرير الأرض والانسان قبل 35عاماً – ساهمت في إلْهامِ الأعضاء الثائرة الحَيّة في جسد الأُمة ما يفعلونه اليوم :
- فصدام حسين الذي رَصَد لتحرير الأقصى ملايين الفدائيين قبل عقود من الزمان قد أَلْهمَ فدائيي فلسطين اليوم بذل الأرواح والدماء رخيصة من أجل الهدف الأغلى في التحرير والانعتاق للإنسان وللمقدسات.
- وصدام الذي ضَرَب من بغداد قلب تل أبيب في العام ١٩٩١كحلقة من حلقات التحرير أَلْهَمَ اليمنيين اليوم دَكَّ ذات الكيان بعشرات الصواريخ المتطورة كحلقة جديدة من حلقات صراع التحرير الكامل للأرض السليبة والحق المنهوب.
- وصدام الذي هزّ وجدان العالم عنيفاً باجتياح الكويت في ١٩٩٠ قد أَلْهَمَ أبطال طوفان الأقصى بزلزلة وعي العالم شديداً في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ .
- وصدام الذي وقف صلباً في وجه عدوان مكون من أكثر من ثلاثين دولة ولم يتبخر، وبقى ينادي بلسان الحال والمقال: "نحن أبطالُ أُمِّ المعارك ونحن اليوم التالي" قد ألْهمَ أبطال الطوفان اليوم أن يرفعوا شعارهم : "نحن طوفان الأقصى ونحن اليوم التالي".
- وصدام الذي ترجم شعوره بالانتصار حتى وهو يتراجع عن خطوة ضمّ الكويت بأُهزوجته الشهيرة "يا مَحْلى النصر بعون الله" ألْهمَ أبطال المقاومة اليوم أن يترجموا شعورهم بالانتصار حتى وهُمْ يُودِّعون قائدهم الفذّ الذى اغتالته يد الغدر بأُهزوجتهم الأثيرة "حُطّ السيف قبال السيف.. نحن رجال محمد ضيف'.
• لقد رحل صدام حسين عن العراق وعن الحياة الدنيا بأكملها تاركاً نبوءة وتوصية للأمة من بعده مُرْهِصاً بأنْ ستأتي أجيال في الأمة من بعده تستكمل ما لم يتمكن من إنجازه اليوم.
• ووقف صدام مُخاطباً المشككين بجدوى فعله ومحرِّضاً المتنفذين و الفاعلين في الأمة قائلاً: "لقد أطلقت على الكيان الاسرائيلي المحتلّ ولأول مرة منذ حرب السادس من أكتوبر ٣٩ صاروخاً – فَمَنْ مِن الأُمة يُطلِق الصاروخ رقم ٤٠ ؟.
وأنا إن كانت لي اليوم رسالة إلى صدام حسين في حياته الأبدية أقول له:
نَم قرير العين يا سيدي، فالصاروخ رقم ٤٠ هو كل جهادات أهل غزة وفلسطين " أرواحاً وعَرَقاً ودِماء".

والصاروخ رقم ٤٠ هو كل طيور الأبابيل على الكيان المحتل من لبنان الأبيّ واليمن اليَعرُبيّ وعراقك عراق العزة والبطولة الذي غرست في أهله عميقاً قِيَم البطولة والنضال.
والصاروخ رقم ٤٠ يا سيدي هو الطوفان.
الطوفان الذي انطلق في السابع من أكتوبر ولن تهدأ ثورته حتى تمام التحرير الناجز للأرض والإنسان، بصلاح الفعل الثوريّ، وبصدق الإيمان.

اخر الأخبار