كاتس: "لن تعود إلى منصبها" ..
التحقيق بتسريب توثيق الاعتداء الجنسي على الأسرى الفلسطينيين يُبعد المدعية العسكرية العامة
أمد/ تل أبيب: أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم الأربعاء، فتح تحقيق جنائي في قضية تسريب مقطع فيديو يوثّق اعتداء جنود إسرائيليين جنسيًا على معتقل فلسطيني في مركز الاعتقال بقاعدة "سديه تيمان" العسكرية، العام الماضي، مشيرًا إلى أنّ التحقيق يشمل "فحص ضلوع مسؤولين في النيابة العسكرية".
وذكر الجيش، في بيان صدر عنه، أن المدعية العسكرية العامة، يفعات تومر يروشالمي، خرجت في "إجازة مؤقتة إلى حين استيضاح تفاصيل إضافية حول القضية"، وقال إن رئيس الأركان، إيال زامير، قرر إحالة المدعية العسكرية لإجازة بناء على طلبها إلى حين الانتهاء من استيضاح الأمر.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر في أجهزة إنفاذ القانون قولها إن الشبهات تتركز حول قيام مقربين من المدعية بتسريب الفيديو، مضيفةً أنه "لا توجد دلائل حتى الآن على أنّ المدعية نفسها هي من سرّبت المقطع"، في حين تفحص جهات التحقيق احتمالية أن "التسريب تم بعلمها".
بدورها، ذكرت المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، أن قرار فتح التحقيق الجنائي اتُّخذ "في أعقاب معلومات جديدة وصلت مؤخرًا"، وبالتنسيق مع المدعي العام ورئيس شعبة التحقيقات والاستخبارات في الشرطة الإسرائيلية.
وأضافت: "خلال الساعات الأخيرة نُفّذت عدة إجراءات تحقيق، وأُبلغت المحكمة العليا بقرار فتح الملف. في هذه المرحلة، ونظرًا لأن التحقيق ما زال جاريًا، لا يمكن نشر تفاصيل إضافية".
في أعقاب الإعلان عن التحقيق، صرّح وزير الجيش الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن المدعية العسكرية "لن تعود إلى منصبها طالما استمرت التحقيقات في التسريب"، واصفًا القضية بأنها "خطيرة للغاية لأنها خلقت فرية دم ضد جنود الجيش داخل إسرائيل وخارجها"، على حد قوله.
ويبرز تناقض واضح بين بيان الجيش الإسرائيلي وبيانات كاتس بشأن إبعاد المدعية العسكرية العامة عن منصبها مؤقتًا. فالجيش قال إن الخطوة جاءت "بناءً على طلبها وبموافقة رئيس الأركان حتى استيضاح تفاصيل إضافية"، فيما أوحى كاتس في بيانات متكررة بأنها أُبعدت عن مهامها بقرار قيادي.
أما وزير القضاء، ياريف ليفين، فربط بين الإعلان عن التحقيق وبين المصادقة التمهيدية في الكنيست، اليوم، على مشروع قانون لتقسيم صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، وكتب أنّ "تعيين رئيس الشاباك ومفوّض شكاوى الجمهور ضد القضاة، إلى جانب التقدّم في التشريعات القضائية، يُحدث تغييرًا تاريخيًا أمام أعيننا".
وكانت الشرطة العسكرية قد داهمت في تموز/ يوليو 2024 قاعدة "سديه تيمان" واعتقلت 11 جنديًا على خلفية التحقيق في الاعتداء الموثقة. وبعد ساعات من المداهمة، اقتحم القاعدة عشرات المحتجين، من بينهم أعضاء كنيست من اليمين، هم نيسيم فاتوري (الليكود) وتسفي سوكوت (الصهيونية الدينية) والوزير عميحاي إلياهو (القوة اليهودية).
وأشار مراقبون إلى أنّه "إذا تم التسريب بعلم المدعية العسكرية، فإنّ ذلك يُضعف الادعاء بأنّ التسريب بحدّ ذاته يشكّل جريمة جنائية"، مضيفًا أنّ "شرطة إسرائيل نفسها تنشر أحيانًا مقاطع من التحقيقات قبل أن يُستجوَب المشتبه بهم".
وأضاف أنّ "التسريب قد يُبرَّر أحيانًا بوجود مصلحة عامة قوية تقتضي نشر التوثيق خلال التحقيق"، واعتبروا أنّ "الشبهة الأخطر تكمن في التستّر، أي إذا كانت الجهة المسؤولة عن التحقيق في التسريب هي نفسها من سرّبته أو وافقت عليه، وقدّمت معلومات مضللة للمستشارة القضائية وللمحكمة العليا، فذلك يُعد أمرًا بالغ الخطورة".
وتعود حادثة الاعتداء إلى تموز/ يوليو 2024، في آب/ أغسطس من العام ذاته، تم تسريب مقطع مصوّر يوثّق اعتداء جنود في قوات الاحتلال على معتقل فلسطيني داخل مركز الاحتجاز في قاعدة "سديه تيمان" العسكرية، جنوبي البلاد.
وذكرت القناة 12 حينها، التي بثت الفيديو، أن التوثيق صُوّر بعد أيام من توقيف عدد من الجنود للاشتباه بارتكابهم جريمة اغتصاب بحق المعتقل نفسه.
ووفق التسجيل، بدا المعتقلون الفلسطينيون مطروحين أرضًا وأيديهم مقيّدة وأعينهم معصوبة، قبل أن يُقتاد أحدهم جانبًا من قبل مجموعة من جنود الاحتياط من وحدة تُعرف باسم "القوة 100".
وبحسب التقرير، حاول الجنود التغطية على أفعالهم برفع الدروع التي كانوا يحملونها لحجب ما يجري عن الكاميرات المثبتة في المكان.
وتضمن التوثيق الجريمة المنسوبة إلى الجنود، وهي "الاغتصاب"، علما بأن المعتقل المستهدف، وهو من قطاع غزة، نُقل بعد ساعات إلى المستشفى وهو ينزف من جروح وصفت بـ"المعقدة"، وأفاد الأطباء بأنها ناجمة عن "دخول جسم غريب إلى جسده".
في المقابل، حاولت مصادر إسرائيلية رسمية تبرير الحادثة بالزعم أن المعتقل ينتمي إلى "قوات النخبة في حماس"، لكن القناة نفسها أوضحت أنّ التحقيقات أظهرت أنه لم يشارك في عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وليس من عناصر النخبة، فيما ذكرت شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") أنه يعمل شرطيًا في جهاز مكافحة المخدرات التابع لحماس، من دون تقديم أدلة تؤكد تلك الادعاءات.
وجاء فتح التحقيق الجنائي في ظل الضغوط داخل إسرائيل من مسؤولين وأعضاء كنيست دافعوا عن جنود الاحتياط المتورطين في الاعتداء، ورفضوا تقديمهم للمحاكمة. فيما تركّز الخطاب العام في إسرائيل على مسألة التسريب بدل الجريمة الموثقة فيه.
