عَدَسَتُها لا تَنطَفِئ ...!
د عبد الرحيم محمود جاموس
أمد/ في بلادٍ لا تَعرِفُ سِوى صَهيلِ الدُّخان،
يُولَدُ الأطفالُ على مَقربةٍ مِن الخَطَر،
يَحمِلونَ حَقَّهُم في الضِّحكِ،
كَمَا يَحمِلُ غَيرُهُم كُتُبَ المَدارِس...
***
هُناكَ،
ضِحكَةٌ صَغيرَةٌ خَرَجَتْ مِن قَلبِ الغَيم،
تَبحَثُ عَن شَمسٍ لَم تُصِبها الشَّظايا بَعد،
وَعَدَسَةٌ طُفوليّةٌ ..
تَتَأمَّلُ وَجهَ الحَياة،
قَبلَ أنْ يَسقُطَ المَوتُ فَجأَةً في اللَّقطَة...
***
ضَحِكَتْ،
وَكانتِ السَّماءُ ما تَزالُ زَرقاءَ،
وَالرِّيحُ تُلاعِبُ خُصلاتِها الصَّغيرة،
حينَ انحَنَتِ العَدَسَةُ،
لِتَسرِقَ لَحظَةً مِن طُفولَةِ غَزَّةَ،
قَبلَ أنْ يَهويَ الصَّاروخُ
كَذِئبٍ مِن نار،
يَفتَرِسُ الضَّوءَ في عَينيها...
***
ضَحِكَتُها لَم تَخَفْ،
بَل تَجَمَّدَتْ في الهَواء،
كَزَهرَةٍ خائِفَةٍ عَلى مِرآتها،
بَينَ دُخانٍ ورَمادٍ وَسَماءٍ مَكسورَة...
***
لَم تَكُنْ تَعرِفُ،
أنَّ لِلعالَمِ كامِيرا أَكبَرَ مِن عَدَسَتِها،
تُوَثِّقُ الصَّمتَ،
وَتَتَغافَلُ عَنِ الدَّمِ المُتناثِرِ عَلى لُعبَتِها...
***
يا طِفلَتي،
عَدَسَتُكِ البَريئَةُ أَصدَقُ مِن نَشراتِ الأَخبار،
وَأَطهَرُ مِن مبرِّراتِ الجَريمَة...
***
لَقَد رَأيناكِ،
وَرَأينا كَيفَ ضَحِكتِ ..
حينَ المَوتُ اقتَرَب،
كَأَنَّكِ تُشهِدينَ أَنَّ الحَياةَ لا تُهزَمُ،
وَلَو سَقَطتِ عَلى بُعدِ رَمَقٍ مِن الفَجر...
***
غَزَّةُ تُولَدُ كُلَّ يَومٍ مِن رَمادِها،
وَفي كُلِّ طِفلٍ،
عَدَسَةٌ صَغيرَةٌ ..
تَفضَحُ العالَمَ،
وَتَكتُبُ الحَقيقَةَ بِالنُّورِ وَالدَّمعِ،
أَنَّ الاِحتِلالَ،
هُوَ الَّذي يَخافُ مِن ضَوءِ عُيونِكُم ..
أَكثَرَ مِمّا يَخافُ مِنِ الصَّواريخِ...
***
وَسَيَبقى وَجهُكِ،
وَعَدَسَتُكِ،
وَضَوءُ ضَحِكتِكِ،
شَهادَةً لا تُمحَى،
عَلى أَنَّ الإنسَانَ خُلِقَ لِيَحيا ..
بِحُرِّيَةٍ وَكَرَامَة،
لا لِيَموتَ عَلى عَتبَةِ بَيتِهِ ..
بِصَمتِ العَالَمِ الَّذي يَرى...
وَلا يَرى....!
